ماذا يريد المغرب والجزائر من موريتانيا؟

صحيفة

اندلعت مؤخراً منافسة جديدة بين المغرب والجزائر لكسب تأييد موريتانيا، مع سلسلة زيارات لمسؤولين جزائريين ومغاربة إلى العاصمة نواكشوط، آخرها زيارة وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف.

في 9 فبراير 2024، قام رئيس مجلس النواب المغربي رشيد الطالبي العلمي بزيارة إلى موريتانيا. من جهة أخرى، قام الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني بزيارة رسمية إلى الجزائر لتدشين ووضع الحجر الأول لعدد من المشاريع المشتركة بين الجزائر وموريتانيا.

وتسعى الرباط والجزائر إلى تعزيز علاقاتهما مع موريتانيا، مما يجعل من هذا البلد ساحة معركة جديدة بين الجارتين، بعد تلك التي اندلعت في منطقة الصحراء منذ عام 1975.

ما الذي تريده الجزائر من نواكشوط؟

بذلت الجزائر مؤخرا كل جهودا كبيرة لتحسين علاقاتها مع موريتانيا، والتي وصفها وزير خارجيتها أحمد عطاف بأنها العلاقات الأكثر ازدهارا في تاريخ البلدين، خاصة في إطار مشاريع التعاون والتكامل التي أطلقها الرئيس عبد المجيد تبون ونظيره الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني.

ومن بين هذه المشاريع، ذكر عطاف بالمشروع الاستراتيجي لشق الطريق البري بين تندوف وزويرات، فضلا عن مشاريع أخرى، كإنجاز أشغال المركزين الحدوديين وتدشين أول بنك جزائري بنواكشوط.

كما زار وزير الخارجية الموريتاني محمد سالم ولد مرزوق الجزائر قبل أسبوع، حيث التقى بالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وأكد على ضرورة مواصلة تطوير وتنويع العلاقات بين البلدين.

وفي هذا السياق، قال أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الجزائر توفيق بوقعدة لـ”عربي بوست” إن اهتمام الجزائر بموريتانيا لم يكن مفاجئا، لكن هناك تسارعا في الاتصالات لتعزيز الشراكة وتنفيذ الاتفاقيات الثنائية والسعي إلى آفاق جديدة.

ويرى بوقعدة أن مصلحة الجزائر في نواكشوط ترتبط أساسا بمنطقة الساحل التي تعتبر نقطة ضعف في الجنوب الجزائري.

وأضاف أن إعادة التركيز على موريتانيا تندرج في إطار التحالفات الجيوستراتيجية في منطقة الساحل وفي إفريقيا عموما، والتي تضعها الجزائر الآن ضمن أولوياتها.

أما بالنسبة للمنافسة بين الجزائر والمغرب على موريتانيا، فيرى بوقعدة أن المستفيد الرئيسي هو نواكشوط، التي يمكن أن تجني أقصى المكاسب.

ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، حكيم بوغرارة، أن تحركات الجزائر تجاه موريتانيا لا تعني هذا البلد فحسب، بل هي جزء من استراتيجية عالمية تجاه دول الجوار، كما يتضح من تصرفات السلطات الجزائرية في اتجاهات مختلفة، السعي لفتح مناطق تجارة حرة مع النيجر ومالي وليبيا وتونس وموريتانيا.

هل تقدم الجزائر حوافز لموريتانيا؟

ويضيف بوغرارة أن الجزائر تنفذ مشاريع تنموية على شكل تبرعات في شمال النيجر ومالي وكذا موريتانيا.

وعن أسباب كل هذه الزيارات والدعم والحوافز التي تقدمها الجزائر لنواكشوط، قال المحلل السياسي حكيم بوغرارة لـ”عربي بوست” إن الجزائر اعتمدت مقاربة جديدة تجاه الدول المجاورة لها، تركز على التنمية والاستثمار والتكامل الاقتصادي، وليس فقط مع جيرانها. موريتانيا، ولكن أيضًا مع ليبيا وتونس والنيجر ومالي.

وأضاف الأستاذ أن الجزائر لا تريد أن ترى في موريتانيا تكرارا لما حدث في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، ولهذا تتخذ إجراءات وقائية.

ويعتبر موريتانيا الدولة الوحيدة المستقرة في منطقة الساحل التي تتمتع بسلطة شرعية، الأمر الذي يتطلب المزيد من الدعم وتكثيف الاتصالات.

ماذا يريد المغرب من موريتانيا؟

لا يخفى على أحد أن الزخم “اللافت” الذي أعاد تنشيط العلاقات المغربية الموريتانية على المستوى الرسمي، والذي ترجمته زيارات مكثفة ومتبادلة بين مسؤولي البلدين، يهدف إلى تعميق العلاقات بين المغرب وجارته من الجنوب موريتانيا.

وكان وزير الخارجية الموريتاني، محمد سالم ولد مرزوق، أكد، خلال زيارته للمغرب نهاية يناير الماضي، على “الآفاق الواعدة” لتعزيز وتعميق العلاقات بين البلدين.

في المقابل، أشار سفير المملكة المغربية بنواكشوط، حميد الشبار، خلال حفل الإعلان عن تشكيل مجموعة صداقة برلمانية مغربية موريتانية جديدة، إلى أن “وتيرة الزيارات المتبادلة زادت بشكل ملحوظ خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث تم تبادل أكثر من 70 زيارة رسمية بين الوزراء والمسؤولين من البلدين، منها ما يقرب من 30 زيارة في عام 2023.

وأوضح أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد بن عبد الله، إسماعيل حمودي، أن “المغرب يعتبر موريتانيا امتدادا وعمقا تاريخيا وثقافيا ودينيا واستراتيجيا نحو عمقه الكبير في غرب إفريقيا؛ إنه عمق متبادل، كما تشهد عليه تجربة المرابطين”.

وأوضح لـ”العربي بوست” أن المغرب وضع رؤية خاصة في هذا الصدد، مؤكدا أن الأمن القومي الموريتاني جزء لا يتجزأ من متطلبات الأمن القومي المغربي، والعكس صحيح؛ ولهذا السبب احتلت موريتانيا أولوية في سياسة الجوار للمغرب منذ السبعينيات على الأقل.

موريتانيا فضاء حيوي وممر مهم للمغرب

في إطار التحولات التي تشهدها منطقة الساحل بشكل خاص، تتعزز العلاقات بين المغرب وموريتانيا، مما يخلق جسور التعاون المثمر والارتقاء بالعلاقات بين البلدين.

ويعتبر مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية، عبد الفتاح فتيحي، أن “موريتانيا تظل فضاء حيويا للمملكة المغربية، وبوابة دولية للتجارة الدولية، خاصة العلاقات التجارية بين الرباط ونواكشوط”.

وأضاف فتيحي في تصريح لـ”عربي بوست” أن “المغرب لا يسعى إلى استرضاء موريتانيا، لكن هناك حاجة إلى تعاون ثنائي بين البلدين، نظرا لقربهما الجغرافي والتحديات المشتركة بينهما في مكافحة الإرهاب”. والجريمة المنظمة والعابرة للحدود، وكذلك الهجرة غير الشرعية.

كما أكد أن “المغرب يتخذ إجراءات تجاه موريتانيا، مثل زيادة الاستثمارات المغربية في موريتانيا، ومواصلة تطوير التعاون الفلاحي بين البلدين، خاصة أن البلدين يستطيعان اليوم تحقيق تكامل اقتصادي واضح”.

تعاون مغربي موريتاني نحو شراكة رفيعة المستوى

وستنعقد في نواكشوط النسخة الرابعة للمنتدى الاقتصادي المغربي الموريتاني، الذي يشكل لقاء هاما لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين الجارين، مع تعزيز الشراكات بين الرباط ونواكشوط في القطاعات والقضايا الاقتصادية ذات الاهتمام المشترك.

وسجل أستاذ العلاقات الدولية إسماعيل حمودي أن “العلاقات بين المغرب وموريتانيا هي في أفضل حالاتها، سواء على المستوى الأمني والعسكري، أو على المستوى الاقتصادي والتجاري، رغم أنها لا تعكس تطلعات البلدين”. لأن قيمة التبادلات التجارية ربما لا تتجاوز 300 مليون دولار، وهو رقم متواضع للغاية في العلاقات بين الجيران.

لكن “هناك جهود من الجانبين لرفع مستوى التعاون إلى مستوى الشراكة، خاصة بعد انضمام موريتانيا إلى مشروع خط أنابيب الغاز بين نيجيريا والمغرب، وأيضا من خلال إبداء رغبتها في الانخراط في مشروع ربط دول الساحل بأفريقيا”.

وشدد حمودي على أن “التزام موريتانيا بمشروع خط أنابيب الغاز بين نيجيريا والمغرب، وهو مشروع استراتيجي ومهيكل لمنطقة غرب أفريقيا، ومشاركتها في مشروع الساحل الأطلسي، يعني تشبيك المصالح الكبرى بين البلدين، وهو ما يصب في مصلحة موريتانيا”. وسيكون له بلا شك تأثير كبير على مواقفهم السياسية.

اقرأ أيضاً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى